محافظة ديالى بين التعقيد السياسي والتحديات الاقتصادية: قراءة في الواقع والفرص
تُعد محافظة ديالى واحدة من أكثر المحافظات العراقية تعقيدًا من حيث التركيبة السياسية والاقتصادية، نظرًا لموقعها الجغرافي الحساس، وتنوعها المجتمعي، وارتباطها المباشر بملفات الأمن والزراعة والتجارة الحدودية. وفي ظل التحولات التي يشهدها العراق عمومًا، تبرز ديالى كنموذج واضح لتداخل السياسة بالاقتصاد، وتأثير الاستقرار المؤسسي على فرص التنمية.
أولًا: المشهد السياسي في ديالى
سياسيًا، تعيش ديالى حالة من التوازن الحذر بين القوى المحلية، في ظل تعدد الانتماءات السياسية وتداخل النفوذ العشائري مع العمل الحزبي. هذا التعدد، وإن كان يعكس تنوع المجتمع، إلا أنه في كثير من الأحيان يُنتج حالة من البطء في اتخاذ القرار، خصوصًا في الملفات الخدمية والاقتصادية.
وتحاول الحكومة المحلية لعب دور الوسيط بين الحكومة المركزية ومطالب الشارع، إلا أن هذا الدور يواجه تحديات متكررة، أبرزها تداخل الصلاحيات، وتغير المواقف السياسية تبعًا للظروف الوطنية، ما ينعكس على استقرار السياسات المحلية واستمراريتها.
كما أن الإرث الأمني الذي عاشته المحافظة خلال السنوات الماضية ما زال حاضرًا في الحسابات السياسية، حيث تُعطى أولوية للاستقرار الأمني على حساب التخطيط التنموي طويل الأمد، رغم التحسن النسبي في الوضع الأمني.
ثانيًا: الواقع الاقتصادي في المحافظة
اقتصاديًا، تعتمد ديالى بشكل رئيسي على القطاع الزراعي، إذ تُعد من المحافظات المنتجة للمحاصيل الاستراتيجية مثل الحنطة والحمضيات والتمور. إلا أن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة، في مقدمتها شح المياه، وتراجع الدعم الحكومي، وغياب التقنيات الحديثة، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج وتراجع دخل المزارعين.
إلى جانب الزراعة، تمتلك ديالى إمكانات واعدة في التجارة الحدودية، نظرًا لقربها من المنافذ الحدودية، إلا أن ضعف البنى التحتية، وتذبذب السياسات التنظيمية، حدّ من قدرة المحافظة على الاستفادة الكاملة من هذا الموقع الحيوي.
كما تعاني المحافظة من ارتفاع معدلات البطالة، خصوصًا بين فئة الشباب، في ظل محدودية المشاريع الاستثمارية، وتعثر بعض مشاريع الإعمار بسبب نقص التمويل أو التعقيدات الإدارية.
ثالثًا: الاستثمار والتنمية… الواقع والمأمول
تُطرح ديالى في الخطاب الرسمي كبيئة قابلة لجذب الاستثمار، خاصة في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية والطاقة البديلة. غير أن الواقع الاستثماري لا يزال متواضعًا، بسبب:
ضعف البيئة القانونية المشجعة للاستثمار.
مخاوف أمنية لدى بعض المستثمرين.
بطء الإجراءات الإدارية وتعدد الجهات المعنية.
ورغم الإعلان عن خطط لإنشاء مناطق صناعية أو مشاريع خدمية، إلا أن تنفيذها غالبًا ما يصطدم بغياب التنسيق بين الجهات المحلية والمركزية، ما يؤدي إلى تأجيل أو تقليص هذه المشاريع.
رابعًا: السياسة وتأثيرها على الاقتصاد
يعكس واقع ديالى بوضوح العلاقة الوثيقة بين الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي. فكلما تراجعت حدة الخلافات السياسية، تحسنت فرص تنفيذ المشاريع وجذب الاستثمار. وفي المقابل، فإن أي توتر سياسي أو أمني ينعكس مباشرة على النشاط الاقتصادي، ويزيد من حالة الحذر لدى المستثمرين والمواطنين على حد سواء.
ويؤكد مراقبون أن التحدي الحقيقي في ديالى لا يكمن في نقص الموارد، بل في غياب رؤية تنموية موحدة تتجاوز الخلافات السياسية، وتعتمد على التخطيط طويل الأمد بدل الحلول المؤقتة.
خامسًا: البعد الاجتماعي والواقع المعيشي
لا يمكن فصل الاقتصاد عن الواقع الاجتماعي في ديالى، حيث تؤثر البطالة وضعف الخدمات بشكل مباشر على الاستقرار المجتمعي. كما أن تفاوت مستوى التنمية بين أقضية المحافظة يخلق شعورًا بعدم العدالة في توزيع الموارد، ما يتطلب سياسات أكثر توازنًا وشمولية.
خاتمة
تقف محافظة ديالى اليوم أمام فرصة حقيقية لإعادة ترتيب أولوياتها السياسية والاقتصادية. فنجاح أي مشروع تنموي مرهون بإدارة سياسية مستقرة، وإصلاح إداري جاد، ودعم فعلي للقطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها الزراعة والتجارة.
وبين الإمكانات المتاحة والتحديات القائمة، تبقى ديالى بحاجة إلى إرادة سياسية تتجاوز الحسابات الضيقة، وتضع مصلحة المحافظة في صدارة القرار، لتحويلها من ساحة أزمات متكررة إلى نموذج للتنمية المستدامة.
