الموصل بين تعافي الاقتصاد وحسابات السياسة: إعادة الإعمار في اختبار التنفيذ
تشهد مدينة الموصل في الفترة الأخيرة حراكًا سياسيًا واقتصاديًا متزايدًا، يتزامن مع تصاعد الحديث عن مشاريع الإعمار والاستثمار، في محاولة لترسيخ مرحلة ما بعد الحرب وتحويلها إلى واقع تنموي مستدام. وبين التصريحات الرسمية والتحديات الميدانية، يبرز سؤال جوهري: إلى أي مدى تنعكس هذه التحركات على الواقع الاقتصادي والمعيشي في المدينة؟
ملف الإعمار: أرقام وخطط في مواجهة الواقع
تُعد الموصل واحدة من أكثر المدن العراقية تضررًا خلال السنوات الماضية، ما جعل ملف الإعمار أولوية مركزية للحكومة المحلية والمركزية على حد سواء. وخلال الأشهر الأخيرة، أُعلن عن إطلاق أو استئناف عدد من المشاريع الخدمية والبنى التحتية، شملت قطاعات الطرق، والجسور، والإسكان، والمرافق العامة.
اقتصاديًا، تهدف هذه المشاريع إلى تحريك السوق المحلية، وتوفير فرص عمل، وتقليل معدلات البطالة، خصوصًا بين الشباب. إلا أن وتيرة التنفيذ لا تزال محل نقاش، في ظل شكاوى متكررة تتعلق بتأخر الإنجاز، وتفاوت مستوى الخدمات بين مناطق المدينة، لاسيما بين جانبيها الأيسر والأيمن.
الاستثمار… بين الفرص والتحديات
ترافق ملف الإعمار مع حديث رسمي متزايد عن فتح الموصل أمام الاستثمار المحلي والأجنبي، مستندًا إلى موقعها الجغرافي، وحجمها السكاني، وحاجتها الكبيرة إلى مشاريع خدمية وتجارية وصناعية. ويُنظر إلى هذا التوجه على أنه فرصة حقيقية لتنويع الاقتصاد المحلي وتقليل الاعتماد على الإنفاق الحكومي.
لكن في المقابل، يشير مراقبون إلى أن بيئة الاستثمار في الموصل لا تزال تواجه تحديات واضحة، أبرزها:
التعقيدات الإدارية وطول الإجراءات.
ضعف البنى التحتية في بعض المناطق.
الحاجة إلى ضمانات قانونية وأمنية أكبر للمستثمرين.
هذه العوامل تجعل من الاستثمار مشروعًا واعدًا نظريًا، لكنه بحاجة إلى إصلاحات عملية ليصبح واقعًا ملموسًا.
البعد السياسي وتأثيره على الاقتصاد
سياسيًا، تلعب الموصل دورًا حساسًا في معادلة التوازنات المحلية والوطنية، وهو ما ينعكس على إدارة ملفاتها الاقتصادية. فالتنافس السياسي داخل المجالس المحلية، وتعدد مراكز القرار، يؤدي أحيانًا إلى تباطؤ تنفيذ المشاريع أو تسييسها، ما ينعكس سلبًا على الأداء الاقتصادي.
في الوقت ذاته، تحاول الحكومة المحلية تقديم نفسها كحلقة وصل بين بغداد واحتياجات المدينة، إلا أن نجاح هذا الدور يبقى مرهونًا بقدرتها على الفصل بين العمل الخدمي والخلافات السياسية، وتقديم مصلحة المدينة على حساب المكاسب الضيقة.
الواقع المعيشي: المؤشر الحقيقي
رغم كثافة التصريحات والخطط، يبقى الواقع المعيشي للمواطن هو المؤشر الأهم لنجاح السياسات الاقتصادية. فلا تزال قطاعات واسعة من سكان الموصل تعاني من البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وضعف الخدمات في بعض المناطق، ما يضع صانعي القرار أمام اختبار حقيقي لترجمة الخطط إلى نتائج ملموسة.
خلاصة
تقف الموصل اليوم أمام مرحلة مفصلية، تتقاطع فيها السياسة مع الاقتصاد بشكل مباشر. فنجاح مشاريع الإعمار والاستثمار لا يعتمد فقط على توفر الأموال أو النوايا، بل على الإدارة الرشيدة، والاستقرار السياسي، والقدرة على تحويل الخطط إلى إنجازات يشعر بها المواطن.
وبين التفاؤل الحذر والواقع المعقد، تبقى الموصل بحاجة إلى رؤية متكاملة تجعل من الإعمار أداة للتنمية، لا مجرد عنوان يتكرر في البيانات الرسمية.
